بقلم : نوال سعد السعد
في رحاب الحياة الشاسعة، حيث تتلاطم أمواج القلق وتشتد حرارة السعي، ثمة أرواحٌ تأتي كـ نسمة رقيقة أو كـ مطرٍ بعد جدب. هؤلاء ليسوا مجرد عابرين، بل هم ملاذنا الإنساني؛ النقطة الآمنة التي تستريح عندها شرايين القلب المُتعبة.
يا له من هَناء! إنهم هنيئون… هنيئون، بساطة وجودهم تماثل عذوبة شربة ماء باردة تُروّي ظمأ يومٍ حارٍّ ومُجهد. معهم، يتحول الحديث من مجرد تبادل للكلمات إلى نهرٍ جارٍ من العذوبة، تتركه وأنتَ تشعر أن روحك قد اغتسلت.
في محضر هذه الأرواق، تسقط حواجز التكلّف. تجد أن درب الاعتذار إليهم ليس وعراً، بل هو سهل ممهد؛ لأن قلوبهم لا تحمل ضغينة، ونفوسهم أطهر من أن تستلذّ مرارة العتاب الطويل. وإذا احتجتَ يداً، فـدرب الطلب منهم ممهدٌ وواسع، يخلو من منغصات المنة أو ثقل السؤال.
إنهم هنيئون لأنهم لا يُجهدونك بـالعتاب والتشره، ولا يحصون عليك السقطات. حين يمنحونك، فإنهم يعطونك من أعمق نقطة في فرحهم الذاتي، لا في انتظار مقابل أو خوف من ضياع. والأهم من كل شيء، أنهم يمنحونك السلام؛ السلام الذي يجعلك لا تحمل همَّ الخلاف معهم مهما تعقدت الظروف، لأنك تدرك يقيناً أن جوهر العلاقة أثمن وأرسخ من أي زعل عابر.
هؤلاء الناس هم كنز الحياة الخفي. إنهم هنيئون لأنك قد تجد في صحبتهم واكتفائهم ما يُغنيك عن ضجيج كل العالمين. هم البيت الذي نعود إليه لنشعر أننا، أخيراً، بأمان….
نوال سعد السعد
المملكة العربية السعودية- الدمام

