السعودية… نهج حديث يعيد صياغة العلاقة بين الاقتصاد والصحة والبيئة

بقلم: عاطف بن علي الأسود

تشهد المملكة العربية السعودية مرحلة نوعية من التحول الاقتصادي والبيئي، مرحلة تتقدم فيها الدولة بخطوات علمية مدروسة نحو نموذج تنموي حديث يجمع بين القوة الاقتصادية وحماية البيئة وتعزيز صحة الإنسان. هذا التحول يعكس تطورًا في الفكر التنموي، حيث أصبحت المحاسبة البيئية واعتبارات الاقتصاد الصحي جزءًا أصيلًا في رسم السياسات، الأمر الذي وضع المملكة في مصاف الدول التي تتعامل مع البيئة كعنصر اقتصادي لا يقل أهمية عن الصناعة.

ومن خلال تتبع مسار التنمية خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن المملكة لم تعد ترى الاقتصاد والصحة والبيئة كمسارات منفصلة، بل كمنظومة واحدة تتفاعل فيما بينها؛ إذ تؤثر جودة الهواء، وكفاءة استخدام الموارد، ومعايير السلامة المهنية في القدرة الإنتاجية والصحة المجتمعية معًا. وهذا التوجه يعكس تبنّي الدولة لمفهوم النمو المستدام الذي يوازن بين التوسع الصناعي ورفاه الإنسان.

الاقتصاد الصحي… قراءة جديدة لدور الإنسان في التنمية

من واقع البحث والدراسة في مجال الاقتصاد الصحي، أصبح من الواضح أن المملكة تبني نموذجًا يربط بين جودة الحياة وحركة الاقتصاد. فالصحة هنا لا تُقارب بوصفها خدمة طبية فقط، بل بوصفها جزءًا من البنية الإنتاجية نفسها. فكل تحسن في بيئة العمل، وكل خطوة للحد من الانبعاثات البيئية أو ضبط المخاطر المهنية، ينعكس مباشرة على كفاءة العامل واستدامة الصناعة وإنتاجية السوق.

إن هذا الربط بين الصحة والاقتصاد يعزز حضور الإنسان باعتباره Human Capital يشكل جوهر العملية التنموية، ويؤكد أن الاستثمار فيه لم يعد خيارًا مرافقًا للتنمية، بل أساسًا تقوم عليه.

تحوّل أخضر… تبدو ملامحه في تفاصيل المدن

وفي الجانب البيئي، تتقدم المملكة اليوم بوعي واضح نحو تعزيز مفهوم Green Environment داخل المدن، حيث لم يعد انتشار المساحات الخضراء خطوة جمالية فحسب، بل امتدادًا لرؤية بيئية تهدف إلى تحسين جودة الهواء وتقليل أثر الملوثات، وهو ما ينعكس مباشرة على تعزيز الصحة العامة ورفع مستوى جودة الحياة للمواطن والمقيم.

هذه التحولات جزء من بنية بيئية متكاملة تعتمد على تحسين كفاءة الموارد وتنظيم استخدام الطاقة، وتطوير ممارسات حضرية أكثر توافقًا مع المعايير الحديثة. وهنا يبرز دور المحاسبة البيئية مرة أخرى كأداة لقياس الأثر الفعلي للسياسات على الواقع، من خلال تقييم تأثير المشاريع على البيئة وموازنة التكلفة الاقتصادية بالعائد الصحي والإجتماعي

المستقبل… اقتصاد أقوى وصحة أفضل وبيئة أكثر توازنًا

ومع استمرار هذا التوجه المتوازن بين الصناعة والبيئة والصحة، يبدو أن المملكة في طريقها لبناء نموذج تنموي رائد قادر على المنافسة عالميًا، خصوصًا في مجالات الاقتصاد الأخضر وتطوير المدن الصحية، ودمج معايير جودة الحياة في التخطيط الاستراتيجي.

إن ما نشهده اليوم من تنامٍ للمساحات الخضراء، وتحسن في جودة البيئة، وانخفاض تدريجي في آثار الانبعاثات، ليس سوى بداية لمرحلة جديدة تتقدم فيها المملكة بثقة نحو مستقبل يوازن بين قوة الاقتصاد واستدامة البيئة ورفاه الإنسان.

عاطف بن علي الأسود
كاتب وباحث في الاقتصاد الصحي
المنطقة الشرقية – المملكة العربية السعودية
X: @alaswadatif
Email: sir.atif@hotmail.com
Mobile: 00966503933695

اترك رد

تسهيلات الاستخدام
حجم الخط
ارتفاع السطر
تباعد الحروف
×
إشعار GDPR:

تستخدم هذه الإضافة ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك وتوفير إعدادات إمكانية الوصول المخصصة. يتم تخزين ملفات تعريف الارتباط هذه في متصفحك وتسمح لنا بتذكر تفضيلاتك لحجم الخط ومخططات الألوان والميزات الأخرى لإمكانية الوصول. باستخدام هذه الإضافة، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط لهذه الأغراض. يمكنك حذف أو حظر ملفات تعريف الارتباط في إعدادات متصفحك في أي وقت. يرجى ملاحظة أن القيام بذلك قد يؤثر على تجربتك في الموقع.

Scroll to Top