بقلم : عاطف بن علي الأسود
في أحد مقالاته، أدركت كيف يمكن للفكرة الأولى — مهما كانت خاطئة — أن تستحوذ على العقول وترفض التصحيح حتى بعد وضوح الحقيقة. وقد أسقطت هذا المفهوم على المشهد الذي شهدته المدن بعد قرار اتلاف التشجير، حين عمّ الذعر بين الناس ودفع بعضهم إلى سكب مواد بترولية على جذور الأشجار ظنًا منهم أنهم يواجهون خطرًا كبيرًا.
ومع مرور الوقت اتضح أن الأمر لم يتجاوز خطأ إداريًا كبيرًا، إلا أن سرعة تصويبه جسدت حكمة القيادة عندما صدر التوجيه السامي بإلغاء القرار فورًا، في موقف يعكس حرص ولي الأمر على صون المصلحة العامة، وحماية البيئة، ومنع أي اجتهاد غير مدروس من المساس بحياة المجتمع.
وقد تذكرت هنا ما يؤكده الدكتور البليهي دائمًا: أن الوعي العام لا يتشكل من فراغ، بل يحتاج إلى رجال يمنحون القضايا العامة قيمتها، ويضيئون مناطق الخلل، ويعيدون ترتيب الأولويات. ورجل مثل الدكتور البليهي، بخبرته الواسعة وفلسفته العميقة، جعل من قضايا البيئة والوعي الاجتماعي محورًا أساسيًا لفكره، فأسهم في ترسيخ أهمية حماية البيئة كجزء من أمن المجتمع واستقراره.
وهكذا تداخلت رؤيته مع ما حدث على أرض الواقع: فكرة خاطئة سابقة تشتت الناس، وقرار حكيم لاحق يعيد الأمور إلى مسارها الصحيح. وبينهما تأتي القيمة الكبرى للوعي حين يُصنع على يد رجال يضعون الشأن العام في مكانه الحقيقي.
كاتب و باحث في حماية البيئة و الاقتصاد في صحة الإنسان
عاطف بن علي الأسود

