لا حاجةَ للصوت ِحين يُفضحُ السكون

بقلم هناء الخويلدي

الصمتُ لا يهربُ من العالم، بل يختارُ ألا يُشبهه،
فلا حاجةَ للصوت حين يفضحُ السكون،
فهو الصلاةُ الصامتةُ من روحٍ أدركت ..وفهمت .
أتأملُ في صمتِ روحي، فأرتقي…
حيث لا يبلغني ضجيجُ الكلماتِ العابرة،
وحين أُعرض عمّا لا يستحقّ،
تولدُ من التغاضي ملامحُ وجهي الحقيقي،
هناك… تتجلّى كرامة الروح، ويكتمل نضجها.

فأصواتُ العابرين لا تنبتُ التيه في داخلي،
وروحي لا تضيعُ في صخبِ من لا يعرفها.
لقد وجدتُ في الصمتِ سكونًا حكيمًا،
ملاذًا يشبهُ اليقين،
وقوّةً تنبعُ من عمقِ فهمي لذاتي وحدودها.

في صمتي، أكشفُ خبايا القلوب،
أراها كما هي، دون قناع،
فلا حاجة للصوت، حين يفضح السكون،
ولا حاجة للشرح، حين تبوح النبضات برؤيةٍ صادقة.

وصمتي…
ليس ضعفًا، بل هو قوتي التي أتقلّدها حين أضعف،
هو درعي حين تشتدّ بي الرياح،
وسلاحي حين تُرهقني الكلماتُ المتعبة.

في صمتي، أعزفُ أرقى ألحانِ الحب،
ذاك الحبُّ النقيّ، الذي لا يسكن عالمًا تعِبًا بالكره والاستغلال.

أسمعُ نبضي المتواري خلف أجنحةِ الشوق،
نبضًا خافتًا، لكنّه نقي، لا يعرف الزيف،
ولا يركضُ خلف السراب.

أحمي في أعماقي مشاعري المقدّسة،
من الانجراف نحو مستنقعاتٍ لا قاع لها،
أحمي روحي من ألسنةِ العابرين،
من أصواتٍ تمرُّ بي، لكنها لا تمسُّني.

ففي قلبي، نقطةٌ أعمق من كلّ صخب،
هناك… تسكن روحي مطمئنّة،
حيث تستقرّ قراراتي،
ويخرسُ الضجيج أمام يقين الصمت.

في كنفِ روحي الصامت،
يسكن شوقٌ جازف،
وحبٌّ عميق… لا يُشبه إلا روحي.

في الأعماق، حيث لا تصل أعين الحاسدين،
أخبّئ ما لا أريد للزمان أن يفسده،
هناك، في تلك البقعة المقدّسة،
لا أنكسر… بل أترمّم.
أغوص في ذاتي، وأنهض،
أتحوّل برؤيةٍ جديدة،
أصنع منّي حلمًا كان، وما زال،
يهمس في أعماقي… أني ما خُذلت يومًا،
بل كنتُ أستعدّ للصفاء.
فالصمتُ لغة العظماء، والذي لا يخذلُ أحداً.

كن اول من يعلق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني.


*