الأخبار

حين تصبح الخريطة قلباً مفتوحاً

بقلم هناء الخويلدي

سؤالٌ يمضي كجرح مفتوح وكأنك تكتب بدم القلب لا بحبر الكلمات… فلسطين ليست موضوعًا يُكتب عنه ببساطة، بل هي اختبار للحروف نفسها: هل تستطيع أن تقول ما لا يُقال؟ هل تستطيع أن تحمل وجعًا بحجم وطن؟

ماذا اكتب عن فلسطين وبأي الحروف أبدأ وأي الحروف أصف ُأرض الرسل السماوية .
أم أرض القداسة أم العروس التي اغتيلت ذات فجر مظلم حالك ماذا نحكي لأجيالنا القادمة عن فلسطين ؟

ابدأ بما لا يُنسى، بحجر صغير في يد طفل أعزل، بصوت أذان اختنق تحت هدير الطائرات، بحبرٍ سال من كتب الأطفال الممزقة، بمفتاح بيتٍ علّقته الجدة على جدار الذاكرة.

اكتب عن فلسطين لا بوصفها جغرافيا، بل كقصة خلقٍ ثانية، حيث يتقاطع التراب مع السماء، ويصبح الصبر لغة، والمقاومة صلاة.

أما للأجيال القادمة، فاحكِ لهم أن فلسطين لم تكن مجرد نزاع، بل كانت المرآة التي رأينا فيها وجوهنا الحقيقية: من منا خان، ومن قاوم، ومن بقي صامتًا كجبان، ومن نطق رغم الخطر.

سأقول لهم إن فلسطين كانت العروس التي اغتيلت على فراش الحلم، ثم قامت من موتها، تمشط شعرها بحجارة الجليل، وتغني للحياة وسط الجنازات.

وأن الزيتون هناك لا يُثمر فقط، بل يتذكّر وأن النكبة لم تكن سنة، بل طعنة تمتد إلى كل وقت.وأن القدس لا تحتاج من يُحرّرها بقدر ما تحتاج من لا يبيعها.

سأكتب كما لو أني اصلي ، فكل حرف عن فلسطين هو ركعة، وكل جملة شهقة.
ولن اخاف من الحزن، فالحزن على فلسطين ليس ضعفًا، بل وفاء

فيا أمة الإسلام …

لا نريد أن يُغيّر التاريخ أحد،
ولا نريد لأوراق الكتب أن تُبدّل ما خطّه الدم، وما شهدت عليه حجارة الطرقات، ونخيل يافا، وقباب القدس، وزيتون الخليل.

نريد أن تعرف كل الأجيال القادمة ، دون رتوش، دون تزوير، دون خيانة، ما هي فلسطين.

فلسطين ليست مجرد أرض محتلة.
فلسطين أمةٌ مكتملة، نابضة، تنزف في صمت، لكنها لا تموت.
فلسطين ليست ترابًا وحسب، ولا رقعةً ضائعة في خرائط الزمن العابر،
بل هي الزمن نفسه، وهي الخرائط كلها، وهي الوجهة التي لا تُخطئها البوصلة.

فلسطين ليست حدودًا رسمها الاستعمار، بل رسالةٌ ختمها الله بالقداسة.
هي جنة دنستها يد الطغيان،
هي الآذان المصلوب على جدران المسجد،
هي التوراة التي نزلت على ضفافها، والإنجيل الذي مشى فوق ترابها، والقرآن الذي باركها في آياته.

فلسطين… كلمةٌ من كلمات الله مُحيت من ألسنة البعض، لكنها محفورة في صدور المؤمنين.

فيا أمة الإسلام،
لا تتركوا التاريخ يُكتب بالحبر المسموم.
لا تسمحوا أن تتحوّل فلسطين إلى “قضية منسية” بين قضايا العالم.

احملوها في دعائكم، في كتبكم، في أغانيكم، في ذاكرة أطفالكم.
علّموهم أن فلسطين ليست سؤالًا في امتحان، بل إيمانًا في القلب، وعهداً لا يسقط بالتقادم

فلسطين…

دمعةٌ حائرة لم تجد من يمسحها،
وقلبٌ مفتوح لكل خذلان،
وجرحٌ غائر لا تبلله سوى دموع السماء.

فمتى تُضمد جراحها، وكلها مفتوحة؟
تنزف كما ينزف الزمان…
زمانٌ لا يتوقف، كأن النزف أصبح من طبيعته،
وكأن فلسطين خُلقت لتكون نبضًا مجروحًا، وصوتًا ينادي من عمق العصور:

“أما من مُجيب؟”

كن اول من يعلق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني.


*